أخذت رياح يناير الباردة تعاندها عند فتحها لباب الشرفة وما إن فتحته حتى أحست بالبرودة تقتحم الدفء الذي كانت تشعر به. جلست على الأريكة المجاورة للتلفاز وبدأت تقلب في القنوات الفضائية وتوقفت عند القناة الفضائية الفلسطينية لتشاهد مسلسلها على قناتها المفضلة ، رفعت نظرها لساعة الحائط كانت تشير إلى الحادية عشر ظهرا باقي ساعتان على مجئ بناتها وزوجها .
اتجهت لغرفتها آملة في اخذ قسط من الراحة ، وضعت جسدها المتعب بتراخ على سريرها وتمددت وأحبت أن لا تفكر بشئ الآن ولكن عقلها الملئ بالذكريات والأحلام أبى أن يخضع لسكونها وشاكسها بعرض ما حدث بينها وبين زوجها أمس ، حاولت فهم سبب تهربه منها كلما سألته عما يضايقه ، عاشرته ستة عشر عاما ولم يكن زوجها كما كان ليلة أمس . أخذت الأفكار تراودها أيعقل انه أحب امرأة أخرى؟
تذكرت يوم زفافها اليوم الذي تسعد به أي امرأة ولكن بالنسبة لها كان يوم حزنها وتذكرت وجه امهاعندما ودعتها تذكرت كلماتها المشوبة بالفرح والحزن معا . نظرت إلى ساعة الحائط وهي تنتظر قدوم زوجها وبناتها فإذا بزوجها يقترب منها وقد سبقته دموعه من خلال كلمات هاربة علمت أن أمها توفاها الله. لم تكد تصدق فمنذ قليل كانت تسترجع ذكريات الماضي مع والدتها.
هربت الكلمات من حولها وارتمت على الأريكة المجاورة لها وبكت بكت، هاجمتها صورة بكائها اليوم. ستة عشر عاما وسنة تجر سنة وأمل يجر خلفه أمل ومرت السنين دون كلمة وداع لامها.
من بين دموعها رأت بناتها يدخلن الصالة وبيدهن الكتب المدرسية والفزع في نظراتهن لمرآها. لم تكن تستطيع الاستجابة لشئ فقد ضحت بمواطنتها لأجل أمور دنيوية، لأجل أمور سياسية لأجل تعليم البنات ، لأجل لأجل ، ستة عشر عاما ظنت أنها تعيش النعيم ولكن النعيم بين أحضان حبيبتها الغالية أمها وها هي بعيدة عن أهلها ، وطنها ، ولحظات الغربة القاسية تكاد تلتهمها.